أهلا بيك

أنصحك تدخل على أحلام صماء لو عايز تنتشي,لو عايز تشوف الواقع الكئيب ادخل اقرا رباعيات صاحي و المنسيين

2011/09/25

ما تيجي نلعب؟(4)::الوردة الثانية


إستيقظت متثاقلة لتزيح عن وجهها خصلات شعرها المنثور على جرس منبه محمولها.بحثت بقدميها عن خفهما  كفئرين يبحثان عن كهفيهما الدافئين.غاصت قدماها في الخف و تحرت متثاقلة إلى حوض الحمام,تغسل وجهها أمام المراّة.ثم بدأت تمشط شعرها لتربطه بشريط أحمر يكسب شكلها طفولة طالبات المدارس,و كأنها تحن لأيام المدرسة و لحظات البراءة الجميلة.كانت تلك الأيام التي شهدت فيها لحظات تعرفها على الحب لأول مرة على يد زميل لها في المدرسة,و لكنها أيام لم يبق منها سوى الذكرى.ها هي الأن بعد تخرجها من الجامعة,شابة وحيدة رغم جمالها الهادئ.لا تدري إن كانت قد غفلت عن أنظار من أعجبوا بها أم هي مجرد أمال و حجج تتخذها كأسباب لعدم إرتباطها حتى الأن.إنها ترى صديقاتها المتزوجات يتحادثن عن حياتهن و أزواجهن و أولادهن...و هي لا تملك سوى ما تحاول أن تراه كل يوم من لحظات سعيدة جديدة و لقطات حياتية غامضة تجذب بها عقلهن و تخلب بها قلوبهن.لكنها محاولات لإضفاء ما ينسيها شقاء الوحدة و يجنبها شفقة زميلاتها,فهي بالنسبة لهم بلا زوج,فهي تتمتع بحرية كاملة دون أن تقيدها روابط الزيجة و لكنهن لا يدرين كم هي وحيدة القلب,فهي لم تشرك بعد أحد في قلبها.تنفض عن نفسها كل تلك الأفكار بهزة رأس لتذهب إلى المطبخ لتعد مع والدتها مائدة الطعام.ثم تروي ظمأ الصباح بكون الحليب المثلج تصحبة شطيرة ثم تلملم أوراق عمل الأمس في ملفها الشفاف لتودع أسرتها على عجل و ترحل.ها هي تدخل غرفة مكتبها الذي يشاركها فيه زملائها.تقرئهم السلام و تبدأ في تنظيم مجلسها لتبدأ عملها المعتاد.إنها الأن في "حلقة" العمل.فهي قد قصمت حياتها اليومية لحلقات,فتبدأ بحلقة المنزل أثناء الإفطار ثم حلقة العمل التي تتوسطها حلقة إستراحة الإفطار ثم حلقة المنزل مرة أخرى لتشاهد التلفاز أو تكمل ما تبقى من أوراق لم تتم.كل حلقها ترى فيها أناس معينين و كل حلقة لها تعامل معين.ها هي تجلس في قمة تركيزها بالعمل,لا تهتم بالحوارات الجانبية التي يجريها زملائها,فالحوار لا يكون في العمل إلا في الإستراحة و أثناء الرحيل بعد إتمام ساعات العمل.ثم ها هي ساعة الإستراحة تدق لتزيح بعض الوريقات جانبا لما بعد الإفطار,لتذهب إلى قاعة الإفطار.تمر سريعا دقائق الإفطار بأحاديثها المشوقة عما رأت بالأمس من أفلام قبل النوم و تمارس هوايتها في النقد لتلك الأفلام كأنها تاقد سينمائي.ثم تعود في نهاية الإستراحة و تصل لمكتبها و هي تنهي بقايا أحاديثها,فهي قد رجعت مرة أخرى لحلقة العمل.تستمر في تلك الحلقة حتى تنتهي أوقات العمل الرسمي...يرحل الجميع و لا يبقى سواها هي و موزع الورود,و لكنها لا تدري أنه هو,لا تدري بعد أن درجها بقلبه وردة.لا تدري حتى تشرع في جمع الأوراق لتضع بعضه في ملفها الشفاف معها و تضع الأخر بعد تصنيف دقيق إلى الدرج.لم تلحظ تلك العين التي ترقبها في الخفاء.إنه ينتظر رؤية رد فعلها,فلم يبق سوى هي ليدرس رد فعلها.حكت جبينها و ظلت تقلب الوردة و هي مازالت بداخل الدرج.من قد أتى بتلك الوردة؟ترى من ترك لها تلك الوردة؟هل هي لمناسبة ما,إنه ليس يوم عيد ميلادها,ترى يوم عيد الحب؟إنها تخجل أن تسأل مثل هذا السؤال,ففحواه أنها لم تحتفل بمثل هذه المناسبة من قبل.لكنها تعرف في قرارة نفسها أنه ليس عيد الحب,فكم من عيد مر عليها بدموع الوحدة.لم تصدق أن تكون تلك الوردة من أحد زملائها الرجال في العمل,فحتما هي من إحدى زميلاتها لتداعبها,بحثت عن ورقة قد تكون أرفقت مع الوردة,قد تكون تاهت في مكان ما بالدرج,لكن الوردة بلا رفيق,مثلها تماما.لكن لما لا تكون تلك الوردة من زميل لها,فبعضهم عزب.هل هو ذاك الزميل المتأخر عن الرحيل؟لا تدري.إنه لا يظهر عليه الإهتمام بها.همت بالرحيل لتقرؤه السلام فرد بعدم إهتمام.إذن فهو ليس هو.قد يكون الزميل الذي يواجه مكتبه مكتبها,فهو دائم النظر في إتجاهها,لا تدري إن كان لإهتمام أو لكونها في مرمى بصره دوما.إنه فيه وسامة و يتسم بالأناقة.دائما يتشاغل بكتاب,ربما أتته الفكرة من إحدى قصص الحب التي حتما مرت عليه في قراءاته.


ها قد وصلت لمنزلها.رأت أنه من الأفضل أن تترك الوردة في الدرج,ربما تكشف صاحب الوردة غدا.قررت أن تبحث عن الأفلام الرومانسية اليوم,و كأن تلك الوردة أيقظت بداخلها أحاسيس دفينة بنقص الرفيق,و قد كتم أخوها تعجبه لتقليبها اللاهف في القنوات القمرية بحثا عن فيلم ما,حتى وقع إختيارها على فيلم رومانسي قد تكرر كثيرا,بل تعجب من دموعها الغزيرة.قد شعر بشيء ما مختلف.بدأ يداعبها فسألها إن كانت قد قتلت أخته و تشبهت بها لتحل محلها كسفيرة كوكب ما على هذه الأرض أم قررت التحول من الفكاهة للكاّبة من باب التغيير و التنويع.قابلت مداعباته بخفة ظل و كتمت سر الوردة القابعة بمكتب عملها.فحلقة العمل مازالت منفصلة عن حلقة البيت,ما يحدث هنا يبقى هنا و ما يحدث هناك يبقى هناك.إنتهت من الأفلام الرومانسية لتغسل وجهها بالماء لإزالة أثار الدموع لتعود لسريرها.


تستيقظ من نومها,فقد بدأت يومها بعينين مغمضتين و شفاه مبتسمة,لتفتح عينيها كمن تستيقظ من حلم جميل,و لما لا؟فقد رأت واقعا يشبه الحلم,و ربما إستيقظت من ألف حلم بلون الوردة الحمراء,من إثر التفكير العميق في تلك الوردة,فدوما تأتي الأحلام من أحداث الواقع و الأفكار المهمومة.تأنقت من أجل ذلك اليوم,فيجب أن تهتم أكثر بجمالها مع وجود معجب و متابع لها.


مرت تلك الدقائق سريعا أو هكذا أحست,و كأنها أسرعت شريط حياتها لتلك اللقطة,حينما رأت زميلها يرد عليها السلام و هو يشتم رائحة الوردة,فأسرعت لفتح درجها و أخرجت الوردة و تشتمها و كأنها ترد على سؤاله,فقد ظنته يسألها ضمنيا عن إن رأت الوردة و كان يجب أن تجيب بنعم ضمنية,أجابت بمثلما سأل,و بسمة كبيرة.

No comments: